أخفيتُ من الحبّ ما يطفِحُ الكون، وأبعدته
عن قلوب العالمين لأمنحكِ إياهُ يا جنّة الدّنيا. فصلابةُ جدبي ذاكَ خلفه أضلاع معوجةٌ
لا تستقيم إلا بك.
يُخبرونكِ عني، وأخبركِ عني، ولا يَصدق
من القول إلا ما فُعل، فأطنان الكلمات تباع كل يومٍ على شكل جريدة تفوح منها رائحة
حبرٍ لاسعة أكرهها، لا تسمن ولا تغني من جوع. ولطالما تمنّعت أمي من لفّ "سندويشات
المدرسة" بها. تقول هي سامة، لكني كبرتُ بما يكفي لأدرك أن سُمها بكلماتها لا
بحبرها.
ستسألينني متىٰ سأكبرُ مثلك، وتطولُ قامتي
وتقصر بها ضفائري، وأتيقن مثلك بديهيات لا يُسلّم لها البشر إلا بعد أكوامٍ من جدالات
عقيمة لا تفتق سوىٰ معالج الروح. أقول لك يا ذرة البرزخ أن محض الحياة تكفلت بذلك،
فألقي حمل تساؤلاتك على جدار أصم لا يفقه، يصنع ذلكم منك نسخات عني وبل منقحة. الحياة
لا بد أن تُعاش لتُفقه، ورُكام الأيام كفيل بكل ذلك. فقط أقبلي على الحياة بقلب سليم.
لن تشقيَ أبداً مهما اشتدت رياح الجحود حولك أعدُكِ..
وهنا، يا فلك القلب، مغاص التوكل، ألقي
بأحمالك على نفسك، حتى تواثقيني على أنها لن تتخبط. فاحتجري في عريش الإيمان تستشعري
المعاني قبل السقوط. وكرمىٰ لغرسة غرستها فيكِ أندت تلابيبك وأثرت تلافيفك. أديري عينك
في سرارة داخلك حتى تأتي ساعة لا تحل الألفاظ مكان المعاني.
تتعجبين حين أقول لكِ أني أطرب لكل صوت
يعتلجُ في نفسي، فلا أرى سواي عنصراً يفهمني، أفليس في جهاد النفس خوف؟! بل الخوف بعينه.
لكن ليس للراعي إلا أن يسلط الرجاء على الخوف، حتى تزمزم براثن الشك، وتبرعم طباع اليقين،
أتفهمين يا كبد الطفولة؟
اليوم أكتفي، كما أكتفي كل يوم من حديث
يطول قبل نومي، حتى يعجزني عن النوم فأستسلم له. لكنني أعدكِ أن لا أستسلم في حضرتك
ولو أعياني سدف السهر... اتفقنا؟