#بقلمي: جنان خالد
ليكن هدفك أعمق من أن تجلسَ وراء مكتب، أو تقف أمام لوحٍ تشرح، أو ترسم مخططاً يُرفع، أو حتى تُشرِف على كتابٍ يطبع.
كثيرون هم من يظنون أن الحياة مجرد هدفٍ واحد سهل الوصول ببعض الجهد واغتنام الفرص المناسبة.. يطمحون لمجرد كرسي مدولب دوّار يكبحون به غرورهم الداخلي الذي يأبون الاعتراف به.. لا أقصد إهانة أحدٍ مطلقاً، ولكن لا تقنعني أنك للحظة من اللحظات لم تفكر بهذا الشكل..
يدخل المدرسة طفلاً، ويغادرها شاباً، ثم يرتاد الجامعة بعض السنوات ليتبجح بعدها بوظيفة مفصلةٍ حسب ذوقه، وإن كانت لا تمت لاختصاصه الذي أفنى فيه بعض سنون حياته بصلة..
ذهاباً إلى عمله وإياباً منه، يمضي بقية حياته، وقد يتنقل من وظيفة إلى أخرى طلباً للراتب المرموق الذي لم يعد يسد الرمق مهما علا أو ارتفع.. فمتطلباتُ حياته تزداد كل يومٍ لتفترسَ شيئا فشيئاً ذلك الكائن القنوع الذي يقبع داخله وينسى سبب وجوده على وجه هذه المعمورة.
نسي أن الله قد استخلفه على الأرض، وأمره بعبادته، وأنه قد يكسب رضاه وينال شرف محبته بالقليل.
فحين تفصّل قطعة قماشٍ تستر بها امرأة تتقي بها ربها، فلك أجر الستر.
حين تُصلح مذياعاً صغيراً لرجل مسن قد اعتاد أن يردد اذكار الصباح والمساء على صوته، فلك أجر ما ذكر وردد.
حين تبيع الطعام لرجل يتقوى به على طاعة الله، فلك أجر ما قام وعمل.
حين تشرح درساً تعلم تلميذك قبله أنّا بهذا العلم نرفع اسم الله عالياً، فلك أجر ما رفع.
حين تتبسم في وجه أخيك، فيرد الابتسامة بالابتسامة، فلك صدقة ابتسامتك وأجر ابتسامته.
وجه النية نحو الهدف المنوط وسددها بقوة العازم على الوصول الى الله بمختلف الطرق المتاحة...
كل يوم يردني سؤالٌ أكرهه حقاً.. كنت قد اعتدت الاجابة عليه بكل ثقة ولكنني آثرت الآن السكوت على الاجابة وطويتها في سجلّات الأسرار..
"لماذا اخترتُ (الشريعة) اختصاصاً وقد علمتِ أن مجال العمل فيه محدود بحقّ.."!!
ولكن هل يُسأل الطائر لماذا يطير؟ وهل تسأل السمكة لماذا تسبح؟!
عالم يسبح بالماديات الوهمية، يتخبط كل يوم آلاف المرات ليكسر حاجز الافلاس.. ولكنهم نسَوا ان الإفلاس هو إفلاس الاخلاق والدين.
أتدرون شيئاً، يلزمني ثلاثة أعمار كي أكبح شهوة العلم لدي.. ليس فقط حسب اختصاصي الاول - الشريعة - بل أطمح أن أشرب من بحور العلوم قاطبة .. علّي اروي ذلك الظمأ الذي يشوي داخلي كل يوم..
لا أدري إن ولدتُ بشهوة العلم أم أنها شيء ولده الزمن داخلي وركبه.. وإني لأخشى من يومٍ يعتليني فيه كسلٌ أو خمول وأنا التي عهدتني نفسي ملاحةً بشدة أفكاري..
يوماً ما سأكون ما أريد على خلاف ما أريد الآن فكل يوم يبدو لي حلمٌ يلوح في أفق العلم.
يسألونني: لمَ لم تجدي وظيفة بعد وقد بلغتي من "الشهادات" ما يسدّ الرمق!
أتمتم بكل قناعة، أن هدفي ليس سجنَ وظيفة أنصب فيها نفسي... ولكن هدفي قبس فكرة قد تشعل العالم يوماً لثوانٍ معدودة كفيلة أن أحصل بها على رضا رب العالمين..
قد تكون حرفة ولمَ لا؟ فالعمل عبادة والمهن كثيرة نصل بها إلى الله سبحانه بتوجهنا إليه سبحانه بها.
لحظة من فضلكم، تذكرت أمراً، قد أكون يوماً كوالدي "فنية كهربائية"، تلك المهنة التي كستنا لحماً حلالاً لا يخالطه حرام قط..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق