ذلك الشيء الذي يحيكُ داخلك، يقضُّ مضجعك، يقلِقُ راحتك، يؤرِق نومك، قد أضحى عضواً منك مع مرور الزمن..
صداقته الملزمة أنتَ تخشاها، وعداوته المبغضة أنت تحتاجها... لكن أنّى لكَ أن تُنهي ما قد بدأ بلا سبب..
سألني أحدهم متعجباً: وهل هناك ما يبدأ بلا سبب؟
رمقته، ثم أشحتُ نظري إلى السماء، علّ الكلمات تسقطُ عليّ قِطعاً فأجيب، بعد أن أسرفَ ذلك الشيء في احتسائي وأصبح كياناً راسخاً لا مبرر لوجوده...
شيءٌ يلتقطُ أقوالي وأفعالي.. يستحوذُ أفكاري وخيالي.. لا طاقة لي من دونه، ولا حياة بشرية معه.. يرسلني إلى أرضٍ داخلية، أسرحُ فيها كأنها موطني، أراها كلما أغمضتُ عيني، ولا تغمضْ أنت فلن تراها.. فأقدامك لن تطأها إلا إذا صَفيت بواطنك من الصدأ..
إشتريتها عنوة، وحرثتها عنوة، وأزرعها بما يطيب لي من حب وصدق.. أسقيها بالوصال، أحميها بالرضا، وأسهر على الحقيقة لأحرسها من اغتيال العابثين...
لا مكان فيها لشهوة الطين، ولا حصار لهوى النفس..
أكون حافلة فيها بقوة الكشف، وأرى عيوب نفسي في نهاري جيداً، وأرتوي من ليلي كثيراً حتى أمتلأ بالفيض...
أرض لا خراب فيها ولا انكسار، يقف الدهر فيها ليشهد الأسرار..
أرضٌ أنوارها أطياف، تظهر في فلتات اللسان وحركة الجوارح، وأنتم لا طاقة لكم فيها، وأنا الغريبة العابرة بعيداً عنها... فمعكم أرض غربتي، وفيها أرض أنسي.. هي كهفي الذي آوي إليه، فيه تلمّ ذراتي المنتثرة، وتجمع وتنفخُ لتصلح روحي المتآكلة بفعل ملح الفناء الذي يملأ أرضكم..
و"ذلك الشيء" هو كائنٌ ينتمي إلى هناك كأنه رسولها، يرافقني كلما حاولتُ العيش معكم.. ويرشدني كلما انحرفت، ويربتُ على كتفي كلما ضعفت، ويشدّ على يدي كلما تعثرت، ويطهرني من غفلتي كلما تهت..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق