اصطحبتني "إليف شافاق" هذه المرة إلى مدينة الحضارات وملتقى القارات والشعوب.. إلى زمن العثمانيين ودولتهم العظيمة ... إلى #اسطنبول ..
لا أدري إن كنت قد خرجت من تلك الحقبة أم لا .. فقد مضى ٦ أيام تقريباً على دخولي ذلك الدهليز الذي رسمته "شافاق" بكلماتها التي دامت ٦٠٠ صفحة... وفي نهاية الرواية تقول الكاتبة أنها خيالية ذات شخصيات حقيقية وأحداث حقيقية .. فقد تركت باب الأحداث مفتوحاً على مصراعيه ولم تحكم بصحة التاريخ أم لا... بل تُلقيك على قارعة الطريق باحثاً عن الحقيقة لتصدق منها ما يقودك الدليل إليه ..
تروي لنا قصة "جَهان" ذلك الصبي الهندي القادم من (هندستان) هرباً من فاجعة قد ألمت به وهي مقتل أمه على يد زوجها... ففرّ على متن سفينة قادمة الى اسطنبول مع هدية للسلطان العثماني وهي عبارة عن فيلٍ أبيض صغير طالت مدة خروجه من رحم أمه وكأنه نذر ألّا يخرج حتى يقتنع أن العالم يستحق أن يكون مكاناً لولادته..
"جهان" ذلك الصبي والمروض لـ"شوتا" الفيل الصغير ..
"جهان" ذلك الصبي الذي تحوّل الى لصّ تحت التهديد والوعيد...
"جهان" ذلك الشاب الذي لم يكن صديقاً للحروف بل صديقاً للصور والأشكال، فتبنى موهبته المعماري المشهور "سنان" وأصبح من ألمع تلاميذه الأربعة
"جهان" ذلك الصبي والشاب والعجوز الذي أحب السلطانة "مهرماه" إلا أنه لم يصل الى تلابيب قلبها...
بسطت الكاتبة لنا كلماتها واستفاضت في وصف القصور، الجنائن، المساجد، الطرقات، الحيوانات، الموائد، الأسواق... حتى الشخصيات وصفتها وصفاً دقيقاً لا يوازيه وصف...
إلا أنها بوصفها أضافت رتابة للرواية ولكن ما إن شعرت بذلك حتى اعادتك من جديد الى داخل الاحداث لتعيشها وكأنها الآن.
شاطرتُ رئيس المعمارين الملكي وتلاميذه الأربعة (جهان، يوسف، نيقولا، داوود) التعب والسهر في بناء الأضرحة، القصور، الجسور، المراصد، والمساجد بلا شك، أهمها: مسجد السليمانية، مسجد السليمية، مسجد مهرماه، مسجد آيا صوفيا....
"ﺇﻟﻴﻒ" ﻗﺪﻣﺖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ "ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﺍﻻﺭﺑﻌﻮﻥ" ﺷﺨﺼﻴﺎﺕ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺍﺙ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﺭﺑﻄﺘﻬﺎ ﺑﺸﺨﺼﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﻟﺘﻘﺪﻡ ﻋﻤﻼً ﺍﺩﺑﻴﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﺍﺯ ﺍﻷﻧﻴﻖ... مزجت ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﺍﻟﻌﻤﺎﺭﺓ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺍﻟﻔﻦ، اﻟﺤﺐ، الفلسفة، ﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ إﻃﺎﺭٍ ﻭﺍﺣﺪ..
روايةٌ تفوح خاتمتها برائحة الخيانة من قبل أقرب الأصدقاء... رواية تعلّم الإتقان والإحسان في كل الأعمال بالرغم من قساوة الظروف وإختلافها....
قد أحتاج لبعض الوقت للإعتياد وإستعادة حياتي السابقة... فقد نهشت هذه الرواية جزءً مني...
جنان خالد